الأربعاء، 28 أكتوبر 2009

لم تأتِ .. قصيدة لمحمود درويش

لم تأتِ

لم تأتِ.
قلتُ: ولن .. إذاً
سأعيد ترتيب المساء بما يليق بخيبتي
وغيابها:
أطفأت نور شموعها،
أشعلتُ نور الكهرباء،
شربتُ كأس نبيذها وكسرته
أبدلتُ موسيقى الكمنجات السريعة
بالأغاني الفارسية.

قلتُ: لن تأتي. سأنضو ربطة العنق الأنيقة
(هكذا أرتاح أكثر)
أرتدي بيجامة زرقاء. أمشي حافيا لو شئتُ.
أجلسُ بارتخاء القرفصاء على أريكتها
فأنساها
وأنسى كلّ أشياء الغياب.

أعدتُ ما أعددتُ من أدوات حفلتنا
إلى أدراجها. وفتحتُ كلّ نوافذي وستائري
لا سرّ في جسدي أمام الليل إلاّ
ما انتظرتُ وما خسرتُ.

سخرتُ من هوسي بتنظيف الهواء لأجلها
(عطرته برذاذ ماء الورد والليمون)
لن تأتي ..
سأنقل نبتة الأوركيد من جهة اليمين إلى اليسار
لكي أعاقبها على نسيانها..

غطّيتُ مرآة الجدار بمعطفٍ كي لا أرى إشعاع صورتها
فأندم

قلتُ: أنسى ما اقتبستُ لها
من الغزل القديم، لأنها لا تستحقّ قصيدة
حتى ولو مسروقة ..

ونسيتها، وأكلتُ وجبتي السرعة واقفاً
وقرأتُ فصلاً من كتاب مدرسيّ
عن كواكبنا البعيدة
وكتبتُ كي أنسى إساءتها، قصيدة

كتبتُ هذي القصيدة!

----
محمود درويش

فقط .......... للذكرى

الأحد، 11 أكتوبر 2009

جفـاء الصديـق - لإبن العميد


" وصل كتابك فصادفني قريب العهد بانطلاق من عنت الفراق، ووافقني مستريح الأعضاء والجوانح من جوى الاشتياق.. فإن الدهر جرى على حكمه المألوف في تحويل الأحوال، وجرى على رسمه المعروف في تبديل الأشكال، وأعتقني من مخالتك عتقا لا تستحق به ولاءَ، وأبرأني من عهدتك براءة لا تستوجب دركا ولا استثناء، ونزع من عنقي ربقة الذل في إخائك بيدي جفائك، وتغلغل في مسالك أنفاسي فعـوض عن النزاع إليك نزوعا منك ، ومن الذهاب فيك رجوعا دونك. وكشف عن عيني ضبابات ما ألقاه الهوى على بصري ورفع عني غيابات ما سدله الشك دون نظري، حتى حدر النقاب على صفحات شيمك، وسفر عن وجوه خليقتك فلم أجد إلا منكرا ولم ألق إلا مستنكرا فوليت منهم فرارا وملئت منهم رعبا. فاذهب فقد ألقيت حبلك على غاربك ورددت إليك ذمم عهدك. "