الخميس، 31 ديسمبر 2009

آخر نجاحات 2009 - حوار بمجلة الشباب

نشـر هذا الحوار معي اليوم بعدد يناير 2010 بمجلة الشباب
أتمنى أن يعجبكم




اضغط على الصورة لتقرأ بوضوح

السبت، 26 ديسمبر 2009

عبقرية محيي الدين اللبـَّاد


عبقرية محيي الدين اللبـَّاد




تستطيع تلخيص رسالته في بيت الشعر القائل: "إن عشقنا فعذرنا .. أن في وجهنا نظر" .. وهو البيت الذي وضعه شعاراً على أغلفة موسوعته الرائعة: "نظـر!".. ولأنه صاحب نظرة فريدة وثاقبة لكل ما حوله .. عشق كل ما حوله من جمال .. فعبر عنه بريشته وقلمه .. واستفزه كل ما حوله من قبح .. فنقده .. وشرح ما فيه من عيوب .. وحاربه بقلمه وريشته طوال الوقت ..

يقول عن نفسه: "عندما كنت صغيراً ، كنا نسكن بقرب جامع السلطان حسن ، وكان الترام الذي يمر في الشارع الكبير – عندما يدور بجوار الجامع – يصدر صوتاً عظيماً. وكان سائق الترام عندي أعظم وأهم رجل في العالم، لأنه يقود هذا الوحش العملاق المهيب – وظللت أتمنى أن أصبح سائق ترام عندما أكبر . وكبرت ولكني لم أتمكن من أن أكون سائق ترام بل ولم أستطع حتى أن أتعلم قيادة السيارات....... لكني تعلمت الرسم وأصبحت مجرد رسام" ..... يقولها في تواضع ولكنه يعلم ما يعنيه الرسم من قوة بصرية مؤثرة .. ومؤثر ثقافي لا حدود له .. يستطيع أن يغير العالم .. خاصة وأنه يعد من أحد أقطاب فن الكاريكاتير في مصر في الفترة التي عمل بها بمجلتيّ روز اليوسف وصباح الخير .. إنه الفنان محيي الدين اللباد .. رب الريشة والقلم كما أطلق عليه الناقد الفني الكبير: د. على الراعي ..

كتاب كشكول الرسام لمحيي الدين اللباد
ويظهر على غلافه رسمه لنفسه وهو سائق ترام
كما كان يحلم أن يكون في طفولته

أقل ما يمكنني قوله عن هذا الرجل أنني كلما أقرأ أكثر عنه وعن تاريخه كلما شعرت بالفخر لأنني أنتمى إلى مجال التصميم الجرافيكي الذي هو من روّاده، ومن أكثر الذين ساهموا في جعل شكل التصميمات الدعائية في مصر تتخذ شكلها الحالي .. ليس فقط بفنه وريشته .. ولكن أيضا بقلمه الصحفي اللاذع الناقد لكل الظواهر الفنية السلبية التي ظهرت على مدار حياته .. والتي سنتناول بعضها بعد قليل ..

نبذة صغيرة عنه :

- ولد في القاهرة عام 1940 .

- درس التصوير في كلية الفنون الجميلة 1957 – 1962 .

- عمل رساما للكاريكاتير أثناء دراسته الثانوية، ثم التحق رساماً بروز اليوسف وصباح الخير قبل أن ينهي دراسته بالكلية.

- في عام 1962 عمل رساما ومؤلفاً لكتب الأطفال في "دار المعارف" وفي مجلة "سندباد" التي أصدرتها الدار.. وشارك فيما بعد في تأسيس عدد من المجلات المتخصصة ودور النشر .. وفي عام 1968، أصبح مديرا للتحرير ومديرا فنيا لمجلة "سمير" .. وكذلك شارك في تأسيس دار "الفتى العربي" للنشر، عام 1974...

- صدر له عدد من كتب الأطفال، وكتب الكبار في مصر وفي بلاد عربية أخرى، نالت عدداً من الجوائز المحلية والعربية والدولية، ونشر بعضها مترجماً إلى اللغات الأجنبية.


والسيرة الذاتية طويلة ملأى بالإنجازات العظيمة التي قام بها هذا الرجل .. وسأعرض لكم في النهاية بعض المصادر يمكنكم الإطلاع عليها لمن يحب الاستزادة .. حيث سأركز هنا على ما لمسني وأثر فيّ .. في تاريخ هذا الرجل .. ومن ذلك:

إدراكه الواضح لمستقبله وطريقه منذ طفولته حيث يقول عن نفسه: " قررت في عمر مبكر أن أعد نفسي لأكون على ما أنا عليه الآن. كان هذا الاختيار قد اتضح في السابعة أو الثامنة من العمر، إذ لم أكن استمتع بمشاهدة الأعمال الفنية المعقدة حرفياً، أتذكر حين كنت أتصفح مجلة الهلال في تلك الفترة، وأشاهد النسخ المصورة للوحات عالمية كانت كثيراً ما تصيبني بضجر لم أكن أعي مصدره، وفي ذات الوقت كان اهتمامي يتحول نحو رسائل بصرية أبسط بكثير، أقرب إلى واقعنا اليومي المعاش .اتجه اهتمامي إلى العلامات التجارية للمنتجات المتداولة آنذاك: باكو زهرة الغسيل ماركة زوزو، زجاجة كوكاكولا، طوابع البريد، علب الكبريت، ماركات السجائر، شخصية ميشلان، وغيرها من منتجات ارتسمت علاماتها في وجداني الذاتي، لتمثل فيما بعد ذاكرتي البصرية الأولى. أتذكر أيضاً اهتمامي بطريقة كتابة عناوين الأخبار في الصحف، وما كانت تحمله من رسائل بصرية قوية باللون الأسود، وعندما دخلت كلية الفنون الجميلة بالقاهرة كانت غايتي التخرج منها وأن أعمل ما أقوم بعمله الآن، وليس لأكون "فنانا" مصورا؛ أرسم اللوحات التي تعلق على الحيطان.

مفردات شكلت الذاكرة البصرية للفنان محيي الدين اللباد،
وكانت الحافز الأول لاهتمامه بفن الجرافيك

نظر محيي الدين اللباد فوجد رجلا يصيح: "أمجاد يا عرب .. أمجاد" ومد بصره إلى بقية الجسد، فوجد عليه قميصاً يحمل علم أمريكا!! ساءته هذه الظاهرة السلبية فتصدى لها.. بالقلم وبالفن كما اعتاد دوما.. نقدها في مقالاته واقترح أشكالا فنية لها أصل في تراثنا.. فاستبدل بات مانن وسوبر مان وكل هؤلاء الخوارق المزيفين بأبطال السير الشعبية مثل أبو زيد الهلالي والملك الظاهر.. ووجد استخداما خلاقا للتي شيرت .. بل وكتب كتابا خاصا عن هذا الفن .. بهذا العنوان .. تي-شيرت..










محيي الدين اللباد له أبحاث ودراسات عميقة في تاريخ الفنون البصرية ببلدنا .. أعانه على هذا تاريخه الطويل وكل هؤلاء الفنانين الذين زاملهم وجاورهم في حياته واتصل بهم بشكل مباشر.. وكثيرا ما كتب عنهم وعن تفاصيل لا يعرفها أحد عنهم .. وبقلمه اللاذع الخفيف الدم إلى حد رهيب .. ونتيجة لكل هذا الإرث الفني العملاق الذي عايشه كان أول من اقترح أن يكون هناك متحف للكاريكاتير في مصر.. يعتني بالرسوم المطبوعة وتصميم الصحف والكتب وكل ما هو نادر في هذا المجال.. وفي هذا العام 2009 تحقق هذا الاقتراح بشكل أو بآخر في أول معرض للكاريكاتير على مستوى الوطن العربي وهو معرض "محمد عبلة" للكاريكاتير بالفيوم .. وضم أعمالا للفنان اللباد والعديد من فناني الكاريكاتير المصريين.


شبه الناقد (د. على الراعي) نظرة الفنان اللباد الثورية لفن الكاريكاتير .. بنظرة الأديب برنارد شو لفن الكوميديا في المسرح .. حيث رأى اللباد أننا: نميل إلى تصوير الحمق والحمقى، ونسعى إلى عرض نوادرهم على الأنظار في مختلف أشكال التعبير: الرسـم، والمسـرح، والحكاية والكرتون. ويلاحظ أننا بهذا الاهتمام نرفع عن أنفسنا الاتهام بأننا قد نكون - بدورنا – حمقى، ولكننا لا نريد أن نعترف بهذا،...... الواقع أننا كلنا حمقى ولا مجال للتفضيل بيننا وبين غيرنا في هذا المجال .. وكذا قال برنارد شو: لا مجال للمفاضلة بين من يظهرون على خشبة المسرح ومن يجلسون في القاعة.. كلنا حمقى وكلنا ذوو عيوب .. وهكذا أصبحت الكوميديا والكاريكاتير أكثر إنسانية وأقرب إلى القلوب.



وعن الطفولة وتقدير الطفل كتب محيي الدين اللباد الكثير والكثير من المقالات.. وظهر اهتمامه ذلك في العديد من الكتب التي ألفها ورسمها للطفل.. كان يحترم بشدة الطفل داخل كل واحد فينا .. ويرجو ألا نتركه يموت داخلنا وأن نفسح له المساحة للتعبير عن رأيه والاستمتاع بالحياة ببساطة .. وكذلك أن نعطي أطفالنا الحرية لاختيار حياتهم وألا نقتل إبداعهم ونضيق آفاقهم بالأوامر والنواهي والحواديت الموجهة النمطية بأغراض تربوية تخنقهم.. وقد شعرت بإحساس بنوة حقيقي تجاهه عندما قرأت له وهو يتحدث عن علاقته بإبنه (أحمد اللباد الفنان الكبير أيضاً) ويقول: "لقد حرصت على أن أبتعد عنه وأن أتركه يتطور على خطوط من صنع نفسه، فإن سلطة الأب وسلطة (الأسطى) المتمثلة في شخصي كانت كفيلة بأن تعوق تقدمه" .. وذكرتني كلماته تلك بكل ما فعله ويفعله معي أبي حتى الآن.. ويعكس تلك النظرة عمليا في هذا الرسم..






ومن الحكايات الظريفة التي يحكيها لنا اللباد ما لاحظه في فترة الانتخابات في الثمانينات وما حملته الملصقات الانتخابية من رموز بصرية سخيفة اختارتها البيروقراطية للمرشحين تحايلا على مشكلة الأمية في بلادنا.. "حيث اكتشفت وزارة الداخلية حينها فجأة أنها بحاجة إلى 100 رمز بصري حيث وصل عدد المرشحين الفرديين في بعض الدوائر إلى 94 مرشحا للدائرة الواحدة......... المهم .. كيف حلت وزارة الداخلية هذا المأزق ؟ توجهت إلى المطابع الأميرية في إمبابة ليتعاونوا مع بعض المسئولين في المطابع في اختيار الرموز البصرية المطلوبة .. وكان مصدرهم هو: كتب الأطفال والعلوم ( أخبار اليوم – 28 / 3 / 1987 ) !! وبهذا امتلأت ملصقات ويافطات المرشحين برموز من شاكلة: كنكة – سلحفاة – شاكوش – جمجمة – ساطور – مفك – حدوة حصان (أو حمار) ..... إلخ. ولا شك أن الكثير من الشكاوى من التحيز وعدم الاحترام قد ثارت من المرشح الذي أعطوه رمز لمبة الجاز بينما أعطوا لمنافسه رمز النجفة الكهربائية أو بين من حمل رمز السلحفاة ومنافسه يحمل رمز القطار ..... إلخ) .. ويستمر اللباد في سخريته اللاذعة .. ويصاحب مقاله رسم كاريكاتيري لاذع كالعادة..






كنت أشعر بسعادة جمة وأنا أجمع المعلومات وأقرأ في موسوعات اللباد لكي أنفذ هذا المقال .. وشعرت بأنني أحد من جاوره في مجاورته الشهيرة "ورشة مجاورة – يناير – 2004" والتي اجتمع فيها لمدة شهر مع مجموعة من الشباب من مختلف العالم العربي المهتمين بمجال الرسم والكاريكاتير والجرافيك ليطرح كل منهم نظراته وأفكاره وفنونه على الآخر ونتج عنها العديد من الأعمال الفنية غاية في الروعة .. شعرت في إبحاري في عالمه بالفعل بأنني واحد منهم.. وأن مساحة عقلي قد اتسعت خلال جلسات إطلاعي تلك بشكل كبير .. لتسع كل تلك النظريات الفنية التي تحدث عنها اللباد وملأت عقلي وعينيّ.. ولذا أحببت أن يشاركني الجميع هذا الذي رأيت وعايشت لعل الإفادة تعم وتشمل أكبر عدد ممكن .. ولأن تاريخ هذا الرجل بحق يستحق أن يعرفه كل من في هذا المجال ..

وفي النهاية أترككم ..

مع أعمال محيي الدين اللباد ..



لهذا الكتاب قصة :
إذ أنه في أواخر عام 1974 ، كتب كاتب القصة السوري " زكريا تامر "
نصاً قصيراً ظريفاً للأطفال بعنوان "البيت" وملخصه كالتالي:
الفرخة لها بيت، بيت الفرخة اسمه القن
الأرنب له بيت، بيت الأرنب اسمه الجحر
الحصان له بيت، بيت الحصان اسمه الأصطبل
السمكة لها بيت، بيت السمكة هو النهر
العصفور له بيت، بيت العصفور اسمه العش
كل إنسان له بيت..
أين بيت الفلسطيني ؟
بيت الفلسطيني في فلسطيني . لكن عدو الفلسطيني اغتصبه وطرده منه
من عدو الفلسطيني ؟
عدو الفلسطيني هو من احتل بيت الفلسطيني.
كيف يستعيد الفلسطيني بيته؟
سيستعيد الفلسطيني بيته بالنضال والتضحية، وسيعود الفلسطيني إلى بيته، بيت الفلسطيني للفلسطيني !
.
هنا ينتهي النص .. ويأتي دور الرسام العبقري محيي الدين اللباد
ليرسمه في شكل كتاب مصور أصدرته دار العربي عام 1974
ومنه تلك الصفحة السابقة التي أمامكم



وكان لدى الفنان محيي الدين اللباد اهتمام خاص بالخط العربي ..
وفي تلك اللوحة يعبر عن قلقه من أنواع الخط العربي الكمبيوترية الدخيلة على الخط العربي الأصلي ..
وما يمكن أن تفسده من ذوق عام .. لو لم يتم الحفاظ على تراث الخط العربي الأصيل



المصادر..

كتاب الهلال / عن الكاريكاتير والأغاني والإذاعة / يوليو – 2004 / د. على الراعي





نظَـر – اللباد – 1



نظَـر – اللباد – 2





نظَـر – اللباد – 3





نظَـر – اللباد – 4





مصادر أخرى .........

مدونة تفاصيل – تي شيرت


مدونة تفاصيل – كشكول الرسام


الشيخشاب - موقع خط


الملتقى التربوي العربي

........................................
وأنا أنصح كل المهتمين بالفنون وكل من قرأوا تلك المقالة باقتناء موسوعة نظـر الرائعة لمحيي الدين اللباد ..
وهي متوفرة بمكتبة العربي بالعنوان التالي:

60 شارع القصـر العيني (11451) - القاهرة

تليفون: 27954529 - 27921943 - فاكس: 27947566

.......................................


وأنتظر آرائكم وتفاعلكم ..

تحياتي

الخميس، 17 ديسمبر 2009

أن تموت يوم ميلادك



"ملحوظة: يمكنك اعتبار كل الأحداث القصصية الواردة مجرد أحداث قصصية"


أن تمـوت يوم ميـلادك


"الموت مش شر"... هكذا كانت تقاطعك في ثقة حين تقول لها: "بعد الشر عليكي....." كلما ذكرتْ الموت، فتخرق بهذا الرد سمعك لتدخل معها في نقاش ليس له آخر عن النسبية وما هو ليس بشر بالنسبة لها وشر بالنسبة لك .. فتتحدث فجأة عن ابن جارتهم الطفل الذي ستزوجه لابنتها - عندما تنجب بنتاً - فتبتسم وتسألها وأنت تملأ عينيك حباً: "ماذا سنسميها؟" .. تجيبك دون تفكير: "فيـروز" .. تنتبه على لحن أغنية: "حبوا بعضن .. تركوا بعضن" يقرص أذنيك من مكانٍ ما .. فلا تجدها حولك ..
"بديت القصة تحت الشتي" .. أن تتذكرها وتدرك مدى اتساع الفراغ الذي تركتك فيه .. تسير تحت سماء تدِّعي الشتاء وهي بلا مطر .. وقد استكثرته عليك .. وأنت تستجديها أن تسقط قطرة مطر واحدة تغسل بعض أحزانك .. تباً لهذا الشتاء الذي لم يعد يحفظ الحميمية التي بينك وبينه .. كنت تستمطره فيمطرك بلا تأخر .. كلما تحتاجه يحتويك .. فجأة أصبح عاصياً .. فقيراً .. كما أصبحت هي ..
"تحت الشتا تركوا بعضن" كانت تحب مناداتك بأسماء كثيرة .. شخصيات كارتونية .. أسامي خضروات وفواكه .. صفات تحبها .. طفلة بحق ترى فيك كل شيء .. وتريك كل شيء فيها .. ثم لم تعد تناديك إلا بإسمك .. ولم تعد ترى وجهك في عينيها .. أخبرتها بهذا كثيرا ولكنها لم تفهمك ..
يصيبك اكتئاب الأعياد الموسمي .. فتشعر ببلاهة كل هؤلاء المبتسمين والمهنئين الذين قرروا فجأة أن الكون جميل ولابد أن يكون كذلك .. وهذه المرة العيد يخصك بشدة .. فكلهم يلقون بابتساماتهم وتهانيهم ووجوههم المنبسطة تجاهك .. في يوم ميلادك ..
الهدية الأولى .. طائرة .. يعلمون هوسك بالطائرات فقررت إحداهم أن تهديك واحدة .. لم تدرك ماذا تفعل بها .. حجمها كبير ولم تأتك هدية كهذه من قبل .. لم تُرد أن يراك أحد بها .. أنت نفسك لا تفهمها .. تشعر أنها غريبة عليك .. ترفضك بشكل أو بآخر .. وترفض امتلاكك لها .. أخذتها إلى بيتك القديم الخاوي لتنفرد بها .. "ماذا كان سيصبح شكلها لو أتتك منها هي؟ .. لا شك كانت ستصبح صغيرة وأنيقة .. وهي تحب الألوان الموف والأزرق والـ..... لا يهم .. يكفي أنها كانت ستكون منها .. وربما كانت تلصق بها ورقة عليها إمضائها الطفولية الساذجة المحببة إليك" .. تتأمل حجم الطائرة الكبير .. يتطفل على مساحتك الخاصة .. تستفزك بألوانها الباهتة ولمعان أطرافها الغير مبرر .. و .. وخوائها منها .. تمسكها في غل وهي تصفعك بملامح الكره في تفاصيلها .. تسقطها تحت قدميك وتقفز عليها .. ترقص .. تتقافز .. فتنبعج وتنبعج وينقطع القماش الذي يغطيها .. لتدرك أنها من ورق مقوى رديء .. في ثواني يتحول بين يديك لقصاصات والقماش إلى خِرَق ..
موسيقى صوفية تتغنى بمأساة الحلّاج تستمع إليها .. يحدثهم الحلّاج بأن يقتلوه ويحرقوه بعظامه الفانيات .. فتسأله أن يفسح لك مكانا جواره .. تخنقك كل تلك الفرحة التي تحتشد حولك في خضم هذا (الفيس بوك) اللعين .. العلامة الحمراء على يمين الشاشة بأسفل تمتليء بالأرقام .. تجيب هوسهم المفاجيء بيومك - الذي يسرق منك عاماً جديداً - بهوس مماثل وأنت تسخر من نفسك .. تبحث عن إسمها بينهم رغم علمك باستحالة ذلك بعد (الديليت) العظيم .. لا يجيبك الحلّاج ويغرق في في نداءاته لهم .. "أقتلوني يا ثِقاتي .. إن في قتلي حياتي ... وحياتي في مماتي .. ومماتي في حياتي" .. هم يحرقونه لحبه لله الذي لم يفهموه .. وأنت لحبك لها الذي لم تفهمه .. وفي أيام الخصام بينكما حين تحدثها عن الألم الذي يغمر جسدك وشعورك بالإنهاك .. لم تكن تصدقك ..تقضي لياليك تحاول أن تلوّن قلبها بالأبيض .. حتى إذا ما أتممت رونقه من عندك .. تصحو مغبرّا بغبار إنكارها لذاك ... أقتلوني ... يا ثِقاتي ..
الهدية الثانية .. ميدالية عليها أول حرف من اسمك .. تخنقك نظراتها المعتذرة عن ماضٍ لم تعد تعبأ به .. أهدتك إياها في مركب صغير تؤرجحه مياه النيل .. تنظر لها في يدك لا تدري ما تفعل بها .. لو منها لم تكن لتجلبها خشبية .. هي تحب الألوان والتفاصيل اللامعة .. وتتقن صناعة مثل تلك الأشياء .. كانت ســــ ... تكتفي بمراقبة أثر سقوطها وسط تلك الدوائر الصغيرة التي تتسع في المياه أمامك ..
إنه كبرياؤك الذي لم يعد يحتمل .. برد الشتاء القاسي الذي اعتدت فيه على الوحدة شجّعك .. فتربصت بها غير مدرك لتربصك .. وانتظرت لها خطأ واحد تخطؤه .. فانهلت عليها بغضبك .. وظهرك محنيّ من حمل ثقيل طالما أنهكك .. لا تقدر على مسك لسانك وقد ثار يمينا وشمالا وفوقا وتحتا .. وفيروز تراودك عن حلمك ويستحثك يأسها أن تتمادى: "وليالي سهر وغيرة .. تخلص بكلمة صغيرة"
ثم هدية ثالثة .. كوفية بألوانها المفضلة .. أتتك من أخرى .. لا ترى فيها سوى ألوان باهتة غريبة .. موف وأزرق كانا كأن خلقهما لم يكتمل بعد .. بهتت الألوان بين يديك .. فلم تغادر تلك "درج الجوارب" بعدئذ ..
تحاول أن تتذكر ذلك الشتاء القديم الذي جمعكما معا .. كانت تملؤك شهوة عجيبة للحياة اكتملت بوجودها .. كان برداً يدفعك للدفء وهذا البرد يدفعك للعراء والسقم .. وشهوة أعجب إلى الموت .. اكتملت برحيلها .. تلك الصور والرسوم التي تحيط بك في مهنتك .. كانت تزداد تألقاً وهي تتشبع بآرائها .. أما الآن والخواء محيط .. لا ترى فيهم لونا .. ولا تسمع لهم ركزاً .. تود لو تهجر كل هذا .. "سئمت نفسي حياتي .. في الرسوم البالياتِ" ..
وهدية رابعة .. الكثير من الشيكولاتة .. مجموعة منتقاة من كل الأنواع التي تحبها .. كنت كلما أهديتها واحدة تحبَ أن تراقبَ شفتيها الناضجتين وفمها الصغير الذي يتلذذ بها في متعة طفولية .. ولكن هذه لم يمسها لسانك .. أخوتك تفاجئوا بكرمك، وأنت داخل إليهم بتلك العلبة .. وإن لم تمنعهم المفاجأة أن يدعوها فارغة في دقائق ..
سيظل الشتاء عاصياً إذاً .. حتى وأنت تتجول في الشوارع ليل نهار .. حتى والمطر يتساقط حولك .. فيمس كل الناس والأشياء إلا أنت .. حتى وأنت ترتعش من برد خاوي من معناه .. من ضمتها .. تراقب شاشة هاتفك التي ترن وتضيء برقم غريب .. "هل يمكن أن تكون هي؟" .. في يوم مولدها الفائت اتصلت بها رغم خصامك لها .. وهنئتها .. وصالحتها .. هل تفعل مثلك؟ ..تمد يدك لترد فيسكت قبل أن تفعل .. تتصل بالرقم .. لا أحد يجيبك "أتكون تراجعَت؟" أنت تعلم أنك ستسامحها ما أن تقول: "الألو" الرائعة .. ستسامحها على كل شيء وتعتذر لها عن جميع ما فعلت .. فقط لو كانت هي .. يرن هاتفك ثانية بنفس الرقم الغريب .. فترد مسرعا .. تسمع صوت رجولي غليظ على الطرف الآخر:
-"عبـ عزيز موجود يا بلدينا؟"
-" إزيك؟ .. أنا آسف! .. كل سنة وانا طيب آه .. وحشتيـ......."
-" بتجول ايه يا بيه؟ بنجولك عبـ عزيز عندييك؟"
-" أنا عارف إني زعلتك .. بس انتى كمان..........."
تفيق على سُبة وصوت انقطاع الخط: " تيييييييييت .. تييييييييييت " .. ثم يجيبك الصمت فيصدّع رأسك .. ويمزق أذنيك .. تعود لموسيقاك وصوفيتك .. وتفتح ماسيدجات التهاني المتتالية في آلية .. لتسمحها دون أن تكمل قراءتها .. وتستجدي الشتاء الذي أسرى بك من نور إلى ظلمة .. أن يتركك في حالك .



16 – 12 - 2009