الخميس، 17 ديسمبر 2009

أن تموت يوم ميلادك



"ملحوظة: يمكنك اعتبار كل الأحداث القصصية الواردة مجرد أحداث قصصية"


أن تمـوت يوم ميـلادك


"الموت مش شر"... هكذا كانت تقاطعك في ثقة حين تقول لها: "بعد الشر عليكي....." كلما ذكرتْ الموت، فتخرق بهذا الرد سمعك لتدخل معها في نقاش ليس له آخر عن النسبية وما هو ليس بشر بالنسبة لها وشر بالنسبة لك .. فتتحدث فجأة عن ابن جارتهم الطفل الذي ستزوجه لابنتها - عندما تنجب بنتاً - فتبتسم وتسألها وأنت تملأ عينيك حباً: "ماذا سنسميها؟" .. تجيبك دون تفكير: "فيـروز" .. تنتبه على لحن أغنية: "حبوا بعضن .. تركوا بعضن" يقرص أذنيك من مكانٍ ما .. فلا تجدها حولك ..
"بديت القصة تحت الشتي" .. أن تتذكرها وتدرك مدى اتساع الفراغ الذي تركتك فيه .. تسير تحت سماء تدِّعي الشتاء وهي بلا مطر .. وقد استكثرته عليك .. وأنت تستجديها أن تسقط قطرة مطر واحدة تغسل بعض أحزانك .. تباً لهذا الشتاء الذي لم يعد يحفظ الحميمية التي بينك وبينه .. كنت تستمطره فيمطرك بلا تأخر .. كلما تحتاجه يحتويك .. فجأة أصبح عاصياً .. فقيراً .. كما أصبحت هي ..
"تحت الشتا تركوا بعضن" كانت تحب مناداتك بأسماء كثيرة .. شخصيات كارتونية .. أسامي خضروات وفواكه .. صفات تحبها .. طفلة بحق ترى فيك كل شيء .. وتريك كل شيء فيها .. ثم لم تعد تناديك إلا بإسمك .. ولم تعد ترى وجهك في عينيها .. أخبرتها بهذا كثيرا ولكنها لم تفهمك ..
يصيبك اكتئاب الأعياد الموسمي .. فتشعر ببلاهة كل هؤلاء المبتسمين والمهنئين الذين قرروا فجأة أن الكون جميل ولابد أن يكون كذلك .. وهذه المرة العيد يخصك بشدة .. فكلهم يلقون بابتساماتهم وتهانيهم ووجوههم المنبسطة تجاهك .. في يوم ميلادك ..
الهدية الأولى .. طائرة .. يعلمون هوسك بالطائرات فقررت إحداهم أن تهديك واحدة .. لم تدرك ماذا تفعل بها .. حجمها كبير ولم تأتك هدية كهذه من قبل .. لم تُرد أن يراك أحد بها .. أنت نفسك لا تفهمها .. تشعر أنها غريبة عليك .. ترفضك بشكل أو بآخر .. وترفض امتلاكك لها .. أخذتها إلى بيتك القديم الخاوي لتنفرد بها .. "ماذا كان سيصبح شكلها لو أتتك منها هي؟ .. لا شك كانت ستصبح صغيرة وأنيقة .. وهي تحب الألوان الموف والأزرق والـ..... لا يهم .. يكفي أنها كانت ستكون منها .. وربما كانت تلصق بها ورقة عليها إمضائها الطفولية الساذجة المحببة إليك" .. تتأمل حجم الطائرة الكبير .. يتطفل على مساحتك الخاصة .. تستفزك بألوانها الباهتة ولمعان أطرافها الغير مبرر .. و .. وخوائها منها .. تمسكها في غل وهي تصفعك بملامح الكره في تفاصيلها .. تسقطها تحت قدميك وتقفز عليها .. ترقص .. تتقافز .. فتنبعج وتنبعج وينقطع القماش الذي يغطيها .. لتدرك أنها من ورق مقوى رديء .. في ثواني يتحول بين يديك لقصاصات والقماش إلى خِرَق ..
موسيقى صوفية تتغنى بمأساة الحلّاج تستمع إليها .. يحدثهم الحلّاج بأن يقتلوه ويحرقوه بعظامه الفانيات .. فتسأله أن يفسح لك مكانا جواره .. تخنقك كل تلك الفرحة التي تحتشد حولك في خضم هذا (الفيس بوك) اللعين .. العلامة الحمراء على يمين الشاشة بأسفل تمتليء بالأرقام .. تجيب هوسهم المفاجيء بيومك - الذي يسرق منك عاماً جديداً - بهوس مماثل وأنت تسخر من نفسك .. تبحث عن إسمها بينهم رغم علمك باستحالة ذلك بعد (الديليت) العظيم .. لا يجيبك الحلّاج ويغرق في في نداءاته لهم .. "أقتلوني يا ثِقاتي .. إن في قتلي حياتي ... وحياتي في مماتي .. ومماتي في حياتي" .. هم يحرقونه لحبه لله الذي لم يفهموه .. وأنت لحبك لها الذي لم تفهمه .. وفي أيام الخصام بينكما حين تحدثها عن الألم الذي يغمر جسدك وشعورك بالإنهاك .. لم تكن تصدقك ..تقضي لياليك تحاول أن تلوّن قلبها بالأبيض .. حتى إذا ما أتممت رونقه من عندك .. تصحو مغبرّا بغبار إنكارها لذاك ... أقتلوني ... يا ثِقاتي ..
الهدية الثانية .. ميدالية عليها أول حرف من اسمك .. تخنقك نظراتها المعتذرة عن ماضٍ لم تعد تعبأ به .. أهدتك إياها في مركب صغير تؤرجحه مياه النيل .. تنظر لها في يدك لا تدري ما تفعل بها .. لو منها لم تكن لتجلبها خشبية .. هي تحب الألوان والتفاصيل اللامعة .. وتتقن صناعة مثل تلك الأشياء .. كانت ســــ ... تكتفي بمراقبة أثر سقوطها وسط تلك الدوائر الصغيرة التي تتسع في المياه أمامك ..
إنه كبرياؤك الذي لم يعد يحتمل .. برد الشتاء القاسي الذي اعتدت فيه على الوحدة شجّعك .. فتربصت بها غير مدرك لتربصك .. وانتظرت لها خطأ واحد تخطؤه .. فانهلت عليها بغضبك .. وظهرك محنيّ من حمل ثقيل طالما أنهكك .. لا تقدر على مسك لسانك وقد ثار يمينا وشمالا وفوقا وتحتا .. وفيروز تراودك عن حلمك ويستحثك يأسها أن تتمادى: "وليالي سهر وغيرة .. تخلص بكلمة صغيرة"
ثم هدية ثالثة .. كوفية بألوانها المفضلة .. أتتك من أخرى .. لا ترى فيها سوى ألوان باهتة غريبة .. موف وأزرق كانا كأن خلقهما لم يكتمل بعد .. بهتت الألوان بين يديك .. فلم تغادر تلك "درج الجوارب" بعدئذ ..
تحاول أن تتذكر ذلك الشتاء القديم الذي جمعكما معا .. كانت تملؤك شهوة عجيبة للحياة اكتملت بوجودها .. كان برداً يدفعك للدفء وهذا البرد يدفعك للعراء والسقم .. وشهوة أعجب إلى الموت .. اكتملت برحيلها .. تلك الصور والرسوم التي تحيط بك في مهنتك .. كانت تزداد تألقاً وهي تتشبع بآرائها .. أما الآن والخواء محيط .. لا ترى فيهم لونا .. ولا تسمع لهم ركزاً .. تود لو تهجر كل هذا .. "سئمت نفسي حياتي .. في الرسوم البالياتِ" ..
وهدية رابعة .. الكثير من الشيكولاتة .. مجموعة منتقاة من كل الأنواع التي تحبها .. كنت كلما أهديتها واحدة تحبَ أن تراقبَ شفتيها الناضجتين وفمها الصغير الذي يتلذذ بها في متعة طفولية .. ولكن هذه لم يمسها لسانك .. أخوتك تفاجئوا بكرمك، وأنت داخل إليهم بتلك العلبة .. وإن لم تمنعهم المفاجأة أن يدعوها فارغة في دقائق ..
سيظل الشتاء عاصياً إذاً .. حتى وأنت تتجول في الشوارع ليل نهار .. حتى والمطر يتساقط حولك .. فيمس كل الناس والأشياء إلا أنت .. حتى وأنت ترتعش من برد خاوي من معناه .. من ضمتها .. تراقب شاشة هاتفك التي ترن وتضيء برقم غريب .. "هل يمكن أن تكون هي؟" .. في يوم مولدها الفائت اتصلت بها رغم خصامك لها .. وهنئتها .. وصالحتها .. هل تفعل مثلك؟ ..تمد يدك لترد فيسكت قبل أن تفعل .. تتصل بالرقم .. لا أحد يجيبك "أتكون تراجعَت؟" أنت تعلم أنك ستسامحها ما أن تقول: "الألو" الرائعة .. ستسامحها على كل شيء وتعتذر لها عن جميع ما فعلت .. فقط لو كانت هي .. يرن هاتفك ثانية بنفس الرقم الغريب .. فترد مسرعا .. تسمع صوت رجولي غليظ على الطرف الآخر:
-"عبـ عزيز موجود يا بلدينا؟"
-" إزيك؟ .. أنا آسف! .. كل سنة وانا طيب آه .. وحشتيـ......."
-" بتجول ايه يا بيه؟ بنجولك عبـ عزيز عندييك؟"
-" أنا عارف إني زعلتك .. بس انتى كمان..........."
تفيق على سُبة وصوت انقطاع الخط: " تيييييييييت .. تييييييييييت " .. ثم يجيبك الصمت فيصدّع رأسك .. ويمزق أذنيك .. تعود لموسيقاك وصوفيتك .. وتفتح ماسيدجات التهاني المتتالية في آلية .. لتسمحها دون أن تكمل قراءتها .. وتستجدي الشتاء الذي أسرى بك من نور إلى ظلمة .. أن يتركك في حالك .



16 – 12 - 2009

هناك تعليق واحد:

Unknown يقول...

عايزة منديل تاني..كلاكيت تاني مرة فى نفس الساعة يا حاتم

آخر مشهد موجع بهبل